حديث التقاعد ... / كتب الوزير والدكتور إزيد بيه محمد محمود

أحد, 04/20/2025 - 16:33

يبدو أن التقاعد، الذي وصلتني رسالته عبر بريد خاطئ، ناداني في سرّى، عبر إيماء خاصّ… إذ كان يُفْترضُ أن تصلني رسالتي، وهذا الفهم من حاقِّ الحرص على عدم التمييز بيني وبين المواطنين من نفس الجنسية، كان لزاما عليها أن تصلني عبر مسلك رسالة الوزيرين، إذ أرسلها صاحب المعالى، وزير الوظيفة العمومية إلى الوزير الأول تمييزا إيجابيا، وجريا على عادة التشريفات.

أما التي تخصني فقد وصلتني عن طريق مدير المصادر البشرية، بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. عندها، وعندها فقط، رفعت عَقِيرتي أمام معالي الوزير، وأذكِّرك عزيزي القارئ بأن مسرح الحدث كان مستشفى الأعصاب، وأترك لك أيها القارئ الكريم لون الحاشية التي تريد لتحسن تأويل ذكري لمسرح الحدث، وبحضرة جمع غير يسير من الوزراء، من بينهم معالي وزير الداخليّة، أذكره بالوسم بالذات لأنه من استعذب، واستطرف العبارة، ووصلني صدى تكرارها، والتندّر بها في عدة مناسبات، حين كانت تصلني دعوة المناسبات. أَمَا وقد انقطعت - الدعوات - فلم تعد تصلني.

وبحضور هذا الجمع، قلت لمعالي وزير الوظيفة العمومية، ولم أعاني من الْكَديِ، قلت له ما عُلم من القانون بداهة. فمن منا لا يعلم، أيا كان تخصصه، ومهما كان ميله وزهده في التحصيل، من منّا لا يعلم أن من مميزات القاعدة القانونية أنها "عامة ومجرّدة" 

وأترك لك عزيز القارئ، مرّة أخرى، أن تضع الطرّة التي تريد… على هذا النص… عندها غلب عليه خلقُه الجمُّ، واعتذر عن طريقة الإرسالين…( مدير الديوان، والوزير الأول، ومدير المصادر البشرية، بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي )، فعنّ لي - ساعتها - أن أفعم الجوّ بمحتوى لا يخلو من طرافة؛ فقلت له إن فحوى الرسالة يشي بوضعين مختلفين تماما (تضعني الرسالة فيهما) ويخاطبني مخاطبة شخصين، أحدهما موظف تحكمه أحكام الوظيفة العمومية التي تسير أساتذة التعليم العالي، يمارس ما أسند إليه من خطّة التدريس، وما استطاع من فعاليات ذهنية في البحث العلمي… والثاني متقاعد أنهى زمن التعاقد بينه وبين الوظيفة العمومية يُحْظَرُ عليه (تمييزا…) التعيين وأحوازه… نصفي متقاعد، ونصفي موظف (أستاذ وباحث) ، فضحك الجميع، كلّ حسب ما خامره من عمق معنى الدّعابة، وبعد غَورها، والهامش الذهني المتبقي عنده من فضلة ما يمنح الحدث (التدشين) الذى يأخذ عقول بعض المدعوين، وهو الذي يخفق برقه، ويوشِّح بريقُه المشهدَ ويؤثّثه…

يبدو هذا التقاعد، الذي حرصت كل الحرص، على أن أفصّل ما اكتنف وصول رسالته إليّ، يبدو أنه فصلني أو شطرني نصفين على نحو ما نوت فعله وصرحت به قولا، الأستاذة في مدرسة المشاغبين للنجم عادل إمام، وقد أظهر جوابه للأستاذة الجمهورَ وهو يضحك بدرجة نص شُرَّاحُ الشيخ خليل على أنها من النوع الذي يبطل الصلاة … 

خاطبتْ فيّ الرسالةُ شخصين، سأحيِّن ذلك الذي يتبادر إلى الذهن أنه " بدون حراسة ". ولك أيها القارئ الكريم أن تلتمس الإيحاء الذي تومئ إليه - بدون حراسة - في المأثورات والأدبيات عندنا.

سأُعْمِلُ هذا الشخص " الـ-بدون" إعمالا، سأجتهد في عدالته، لأن العدل وضع الشيء في موضعه. وسيمضي بي نحو الشأوِ، إن شاء الله، لا يُثنيني لغوب ولا نصب على نحو ما أشار إليه شيخنا محمد سالم ولد عدّود رحمه الله.

هذا الشخص " الـ-بدون" هو قريني وكِنَاسِي، هذا الشخص سيحسده النص الثاني حسد الضرة، التي تشكو كل الميل.

وهذا الشخص – النصف- ميزته كذلك " ألَّا أبالي" …
على رأي المتنبي:
وهان فما أبالي بالرزايا                  لأني ما انتفعت بأن أبالي.

ولم تنهنهه التنحية، ولم تبجّح لفظه أضواء الترقية، والأحوال شاهدة، وألسنة الخلق أقلام الحقّ.

وكنت قد طلبت من أخي معالي الوزير، عبد القادر ولد محمد، وقد أحيل إلى التقاعد، ولكن الحال(والحال له لسان صارم لا عيب فيه) يقول في شأنه ما قاله الرئيس اليمني لعبد العزيز المقالح، رئيس جامعة صنعاء السابق (الإبداع لا يتقاعد)، طلبت منه أن يذكّرني بما قاله شيخنا محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى عن التقاعد من الوظيفة؛ حدّث فقال:

"الإنسان الذي يولد بالوظيفة يموت بالتقاعد ، والإنسان الذي يدفن في الوظيفة يُبعث بالتقاعد".

وبعد، فربّما أفضْتُ في حديث التقاعد وأستعيذ ممّا استعاذ منه الجاحظ في مقدمة كتابه البيان والتبيين "… ونعوذ بك من السلاطة والهذر، كما نعوذ بك من العيّ والحصر".

وكالة المنارة الإخبارية

على مدار الساعة