
السياسة فن الممكن والمواقف فيها قائمة على معادلة (شعرة معاوية) إن أرخوها شدها وإن شدوها أرخاها ، لكن لعبة السياسة إذا احتاجت المرونة تحت سقف الممكن فإن أحوج ما تحتاجه هو الثقة بين الشركاء فهي حجر الزاوية.
في عهد ولد الطائع كانت الدولة تقوم على حكم المؤسسة العسكرية بنظام حاكم بأغلبيته الحزبية التي تمسك بمفاصل السلطة ، وكانت المعارضة رهطا من المغاضبين الأعداء هدفهم تشويه منجزات النظام في الداخل والخارج فحوصرت وغيّبت ، وكان ضعاف العزيمة من المعارضة ينشقون وينضمون للموالاة ابتغاء التعيين فكثر (تيّاب المعارضة) و(المؤلفة قلوبهم منها) وظل الأوفياء من المعارضة صامدين صابرين على لأَوائها وجَهدها.
بعد انقلاب 2005 انتقلت الدولة من استبداد المؤسسة العسكرية إلى واجهة باطنها عسكري وظاهرها من قبله مدني جلبه العسكر وحين أراد الخروج من ربقتهم أزاحوه وكان ما كان في 2008 ورجع العسكر للواجهة.
رفضت المعارضة الانقلاب وعودة العسكر وأرعدت وأزبدت ، لكنها في الأخير رضخت للأمر الواقع وحاورت النظام العسكري في داكار عاصمة السنغال في يونيو 2009، وشاركته حكومة وحدة وطنية وانتخابات رئاسية فاز فيها النظام من الشوط الأول بـ (باء طائرة) ماتزال تحير الناس حتى الآن.
رجعت الدولة للمربع الأول نظام حاكم بمؤسسته العسكرية وأغلبيه المتحكمة ومعارضته المغيبة.
مع الربيع العربي وموجات التغيير في إفريقيا نهاية 2010 كان النظام يرى أنه غير معني بما يجري فالوضع في المنتبذ القصي مغاير لوضع الدول مسرح الثورات ، وحين خرج شباب "حركة 25 فبراير" إلى ساحة "ابلوكات" وسط العاصمة رد مساندو النظام في نواكشوط على خروج الشباب الموريتاني للشارع بالسخرية والتسفيه مجادلين أن موريتانيا ليست تونس، وأن "ولد عبد العزيز" ليس "بن علي"، حتى وإن كان آخر من التقى به، وأن موريتانيا قامت بثورتها السلمية عام 2005.
لكن النظام في خبيئة نفسه كان يستشعر الخطر خاصة أن الأحداث كشفت هشاشة الأوضاع.
أما المعارضة المعارضة فحذرت من خطورة الوضع في البلاد وإمكانية انزلاقها إلى حالات مماثلة بالنظر لسوء الأوضاع وانكشاف أحوال البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
أخذت الدولة زمام المبادرة وفي يوم السبت 17 سبتمبر2011 أعلنت انطلاق الحوار الوطني بين ممثلين عن السلطة وبعض أحزاب المعارضة، ودار الحوار حول خارطة طريق تتضمن عشر نقاط، بينها احترام الديمقراطية ، واستمر حتى الأربعاء 19 أكتوبر 2011.
الحوار افتتحه الرئيس محمد ولد عبد العزيز وجمع ستين ممثلا عن الأغلبية الرئاسية وأربعة أحزاب معارضة اثنان منها ممثلان في البرلمان، في حين قاطعته عشرة أحزاب أخرى على رأسها حزب التكتل مطالبة أولا بـ "إرساء الثقة بين الشركاء السياسيين".
وتنوعت موضوعات الحوار وتوصياته لتشمل الوحدة الوطنية واللُّحمة الاجتماعية، وتعزيز الديمقراطية وإصلاح القضاء والمجال السمعي البصري، ووضع المعارضة الديمقراطية والمدونة الانتخابية، والتناوب السلمي على السلطة ومكانة ودور الجيش الوطني، والحكامة الرشيدة وحياد ومهنية الإدارة، والتحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب ومواضيع أخرى.
وأعقبت ذلك الحوار انتخابات تشريعية شاركت فيها أحزاب تابعة للنظام وأخرى معارضة كانت نتيجتها حصول المعارضة على حوالي 37 نائبًا.
(حزب تواصل: 16 نائبًا وهو ما منحه ترؤس مؤسسة المعارضة، وحزب الوئام: 10 نواب، وحزب التحالف الشعبي التقدمي: 7 نواب، والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية: 4 نواب، من أصل 147 نائبًا لأحزاب النظام وأغلبيته الحاكمة).
37 مقابل 147 ارفود أهل لخلَ.
أسست بقية أحزاب المعارضة كيانًا أسمته "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة"، ويتكون من 14 حزبًا سياسيًّا وعشرات المنظمات من المجتمع المدني وأربع مركزيات نقابية وحركات شبابية وشخصيات وطنية مستقلة بارزة، تضم رئيسًا سابقًا وحقوقيين وضباطًا ووزراء متقاعدين وغير ذلك.
وانقسمت المعارضة بين (المعاهدة) و(المنتدى) بين ناصحة وناطحة.
عقد المنتدى مؤتمره التأسيسي مابين 28 فبراير إلى 2 مارس 2014 في نواكشوط وأعلن وثيقته التأسيسية مقدما صورة مأساوية للوضع في البلد.
معتبرا الحوار ـ"الصريح والمسؤول" الخيار الأساسي للتوصل إلى حل توافقي لمشاكل البلد"
ودعا المنتدى إلى إجراءات لبناء الثقة " كإطلاق السجناء السياسيين والناشطين واحترام الدستور والمأموريات الرئاسية، ودمج الحرس الرئاسي في هيكل الجيش الوطني، وفتح وسائل الإعلام العمومية للجميع، ومراجعة الأوضاع المعيشية لغالبية السكان، واحترام القانون 54 لسنة 2007 المحدد للتصريح بالممتلكات العامة لرئيس الدولة وأعضاء الحكومة والتزام رئيس الدولة بحياد المصالح العامة في الصراع السياسي وبالتعامل المتساوي والعادل مع كافة المواطنين، خصوصًا في مجال التوظيف. وضمان نظام قضائي عادل ومستقل وذي مصداقية، وتنظيم انتخابات توافقية سابقة لأوانها، مسبوقة بحزمة من الإصلاحات الانتخابية الضرورية والمصاحبة، واختيار حكومة توافقية تحظى بقبول جميع الأطراف وتفويضها بالصلاحيات اللازمة، مع التزام المعارضة بدعم الحكومة التوافقية في تطبيقها لاتفاق الحوار.
بادرت الحكومة بتنظيم جلسات اللقاء التشاوري التمهيدي الموسع للحوار الوطني الشامل بقصر المؤتمرات في نواكشوط من الاثنين 07 وحتى الاثنين 14 سبتمبر 2015.
قاطع المنتدي الحوار واصفا إياه بالمهزلة التي تعكس النهج الأحادي للحكومة، وخطوة تشكل هروبا إلى الأمام.
اللقاء التشاوري حدد الأسبوع الأول من أكتوبر 2015 موعدا للحوار الشامل والموسع ينطلق بمن حضر.
ظلت أزمة انعدام الثقة قائمة بين المعارضة والنظام وظل الحوار الحقيقي أعز مفقود.
حتى ونظام عزيز يقف على ثتية الوداع وقد آذن قبلي مزنه بالإقلاع لم تيأس المعارضة من الحوار ولم يقدم النظام جديدا..
في شهر يوليو 2019 أي قبل أقل من شهر عن تسلم غزواني فاجأ بيرام ولد الداه ولد اعبيد الرأي العام بلقاء مع رئيس لجنة تسيير الحزب الحاكم والناطق باسم الحكومة سيدنا عالي ولد محمد خونه، أعلن في ختامه عن انطلاقة حوار بين النظام والمعارضة وعن تشكيل لجنة لتحرير وثيقة تتضمن النقاط التي تقترح المعارضة نقاشها مع السلطة.
وأكد رئيس الحزب الحاكم، في رد على تصريحات ولد الداه، «أن السلطات مستعدة للحوار وسترد دون تأخير على وثيقة المعارضة».
غير أن أطرافاً مهمة في المعارضة اعترضت على محاورة المعارضة لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز لأسباب، منها أنه على وشك الانصراف، ومنها عدم ثقتهم في حواراته.
وتساءل كثيرون عن جدوى الحوار مع حكومة منصرفة، قد لا تعترف الحكومة القادمة بتعهداتها أو مخرجات حوارها مع المعارضة.
أزمة البلاد تتمثل في استمرار حكم العسكر فعزيز حين انتهت مأموريته الثانية كان على الحزب الحاكم أن يجتمع ويرشح رجلا مدنيا لخوض الانتخابات وهو ما سيؤسس لانتقال مدني للسلطة وتداول سلمي لها.
الحزب لم يجتمع ولم يستشر أصلا ،
ويقضى الأمر حين تغيب تيم :: ولا يستأمرون وهم شهود
اجتمع الجنرالات ورشحوا جنرالا مكان الجنرال المنصرف
إذا غاب منا ضابط فام ضابط ونحن مقيمون ما أقام عسيب..
وقال سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم يوم 2 فبراير 2019 إن ترشيح وزير الدفاع محمد ولد محمد الشيخ أحمد ولد الغزواني للانتخابات الرئاسية القادمة استمرار لنظام حكم رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، وهو قرار من رئيس الجمهورية.
وأوضح ول محم أن ولد الغزواني ركيزة أساسية من ركائز النظام، وكان حاضرا في مختلف الملفات الأمنية والسياسية التي عرفتها البلاد خلال الفترة الماضية، وأنه يمتاز بخصال تؤهله لهذه الثقة.
ودعا ولد محم نواب الأكثرية إلى البقاء كتلة واحدة خلف المرشح، وخلف القيادة السياسية والمرجعية لرئيس الجمهورية ولد عبد العزيز لضمان كسب فترات أخرى.
بالمقابل كان على المعارضة بالمقابل أن تجتمع على كلمة سواء وتقدم مرشحا موحدا يمثلها في الانتخابات ضد مرشح (النظام) ، لكن افتقارها لقيادة كارزمية وأنايتها أفشلتاها فتفرقت وذهب ريحها.
اليوم يدور حديث عن حوار مرتقب بين المعارضة والنظام وعن وثيقة وقعتها منسقية الأحزاب المُمثلة في البرلمان لطرح مبادرة تشاور سياسي وطني شامل؛ وتُجمل خارطة الطريق، التي بلورتها المُنسقية لهذا الغرض، رؤيتها العامة حول التشاور المنشود. !!
غريب أمر المعارضة مع الحوار فلا تزال رغم انعدام الثقة ونكث الوعود تتنقل بين الجحور تتعرص للدغات المتكررة:
صَلِيَت مِنّي هُذَيلٌ بِخِرقٍ:: لا يَمَلُّ الشَرَّ حَتّى يَمَلّوا
ما لم تترك المؤسسة العسكرية الحكم وتسلمه للمدنيين حقيقة لامجازا فلن تتقدم الدولة.
كامل الوهم