مريم بنت أحمد ولد الحارث الشقروية القمر الذي ولد بين الشموس/بقلم الأستاذ سيدي عبد الله ولد الحارث

أحد, 01/17/2021 - 20:53

في مرات ماضية ترجمنا لعدة شخصيات من أهل بانبلي منهم حبيب الله ولد اشتفغ و أحمد ولد الحارث ولد محنض و زوجته السالمة (انماه) بنت أحمدو ولد محنض و ابنهما أحمدو ؛ و اليوم نُتْبعُ بتلك السلسلة علما آخر من أعلامها و قمرا من أقمارها هو العمة مريم بنت أحمد الحارث وذلك من خلال التعريف بها و بحياتها الاجتماعية و العلمية و بمكانتها؛ ثم نختم بالحديث عن وفاتها رحمها الله .

*1* *التعريف بها*

مريم (كنيتها أو لقبها امَّامَه) بنت أحمد ولد الحارث ولد محنض ولد سيدي عبد الله ولد اشتفغ المختار ولد محنض ولد بابنلي ولد الفاضل ولد يدمهم الشقروية ولدت على رأس العشرية الأولى من القرن العشرين فيما بين 1901 و 1905م في منطقة رقاب العقل  .
و أمها السالمة (انماه) بنت أحمدو ولد محنض ولد سيدي عبد الله .

*2*  *حياتها الاجتماعية*

تزوجت مريم من السيد محمدن ولد عبد الله ولد محمدو ولد بكيا ولد الحاج .
و أنجبت له أربعة من الولد هم :
 ١) عشة توفيت رضيعة 
٢) عبد الله ولد عام 1924 و توفي في الشهر الثامن من عام 2005 كان فقيها و شاعرا و له تآليف و أنظام منها شرح لمختصر الشيخ خليل ما زال مخطوطا ؛ و نظم المهاجرين إلى الحبشة حققه الأخ محفوظ ولد الحارث في جامعة انواكشوط عام 2009  .
٣) أم المومنين (ميمي) ولدت عام 1928 و توفيت الأسبوع الأخير من عام 2005 . 
٤) فاطمة ولدت عام 1935 و توفيت في الشهر الخامس من عام 2010 و هي والدة الأستاذين أحمدو ولد حبيب الله ولد محنض أحمد؛ و عبد الرحمن ولد الهادي الذين زودانا بالكثير من المعلومات عن صاحبة الترجمة كما سيأتي لاحقا .

 *3* *حياتها العلمية*

ولدت مريم  في بيت علم و قضاء  و تربت على ما تقتضيه بئة الزوايا في تلك الفترة فتعلمت على يد والديها القرآن الكريم و فروض العين من أمور العقيدة و أحكام الصلاة و الصيام ..... إلخ . ثم وسعت مداركها بالمطالعة و القراءة و الحفظ .
 فقد كانت حافظة للكثير من أيام العرب و أشعار الجاهلية و بالأخص شعر  الشعراء الستة (الست) و كذلك  السيرة النبوية و لا سيما أشعارها مثل مراثي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه و مشاعرات شعراء المسلمين و المشركين مثل كعب بن مالك رضي الله عنه و عبد الله بن الزبعرى .
و لها أيضا إلمام جيد بشعر الشناقطة و خاصة بئتها مثل شعر عمُّ أَبَوَيْها الأمين ولد محنض ولد سيدي عبد الله ؛ و خاله حبيب الله ولد الأمين ولد الحاج .....إلخ . 
و الكثير من شعر شعراء إدابلحسن و إدواعل و خاصة ما قيل في الحرب بينهما .
و كذلك ما جاء من الشعر و الأخبار في كتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط فلها به إلمام جيد . 
كما كانت تطالع كتب التفسير مثل كتاب الذهب الإبريز لمحمد اليدالي .
و كانت لها اهتمام بعلم الفلك و خاصة ما يتعلق بالأبراج و المنازل و كذلك علم النسب فقد ذكرت لنا ابنت أخيها مريم أنها أخذت منها الكثير من علم النسب و ما يتعلق بأسماء النجوم و الكواكب و توقيت طلوعها .

*4* *مكانتها*

و إلى جانب هذا الزاد المعرفي المتنوع الذي جمع من كل فن نصيبا ؛ من الفقه و التفسير و السيرة و اللغة و الأدب و الفلك و النسب .
فقد أكدت لنا ابنت أخيها مريم بنت محمدو ولد أحمد ولد الحارث أنها حافظة للست كله ؛ و كذلك ديوان عبد الرحيم البراعي و أنها كانت دائما تحكي عليهم قصص الأنبياء و أنها تلقت منها الكثير من أخبار النسب .

و قد اشتهرت مريم بالنجابة و الذكاء _ كما يقول إدوم ولد الداه _ و لعل هذا ما مكنها من حفظ و استيعاب الكثير من العلوم اللغوية و الشرعية و حتى بعض العلوم الفلكية التي ألفت في جانب منها  .
فقد ألفت رسالة عن حرمة القول بكروية الأرض بدأت في تأليفها في حدود الشهر التاسع من عام 1979 و مكثت عليها شهرين؛ ثم طلبت من ابنها عبد الله أن ينظم لها قصيدة في نفس الغرض فنظمها لها و هي في حدود 70 بيتا من بحر الوافر ؛ و قد نظمها على مرحلتين و استهلها بقوله : 

على الله اتكال مدى الليالي _ و ليس على سوى الله اتكالي
 
فقالت له إن هذا خصي الشعر و قد نها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعدل عن المطلع الأول إلى المطلع الآتي دون أن يهمل الأول بل تخلص إليه بعد انتهاء المقدمة الغزلية التي يقول في مطلعها : 
يلومُنِيَ العذول و لا يبالي _ لوجد من أميمة قد سما لي
سما لي إذ خلت منها المغاني _ و كانت قبل دانية الوصال
ترحل أهلها فمضوا سراعا _ و ما تركوا سوى طيف الخيال 

إلى أن يقول فيها : 

على الله اتكال مدى الليالي _ و ليس على سوى الله اتكالي
و لست بجازع للرزق عمري _ لأن به المهيمن ذو اكتفال

إلى أن يتخلص إلى الموضوع :

ككون الأرض دائرة و فيها _ لمنع الدور أنواع الجبال 
و إن كثر الجدال دعوه عنكم _ فما للكاذبين سوى الجدال 
كفى للمرء تجريحا و ذما _ إذا ما سب أرباب المعالي

و لكن للأسف هذه القصيدة و كذلك الرسالة ضاعتا فما وجدنا من القصيدة إلا هذه الأبيات؛ و عسى الله أن يمن علينا بها  و بنص الرسالة. 
و لا زال حفيدها عبد الرحمن ولد الهادي  يحدثنا عن هذا التأليف أو الرسالة و عن أسبابه فيقول إن سبب تأليفها لهذه الرسالة أنها سمعت أن التلاميذ يدرسون في المدارس كروية الأرض و هي ترى من منظورها حرمة هذا القول و هو قول كان يقول به العلماء قديما قبل الاكتشافات العلمية الحديثة؛ و لازال بعضهم يقول به حتى الآن ؛ و منشأ هذا القول و أصله و ما قيل فيه معروف فليراجع في مظانه .

و  يقول عبد الرحمن إن ذاكرته لا زالت تحتفظ بصورة ذلك التأليف و هو في مرحلة التسويد في دفتر أصفر من الحجم المتوسط و أنها أوردت فيه حديثين لا يستبعد أن يكونا موضوعين هما : إذا طلب الحاكم العلم فالهرب الهرب ؛ و الحديث الثاني : عليكم بالبادية و دين النساء ؛ و كان حفيدها أحمدو ولد حبيب الله ولد محنض أحمد  يقول لها إذا ذكرت هذا الحديث إن هذا الحديث موضوع فالنساء دينهن غير قوي ؛ و هذا الكلام ليست فيه سمات كلام النبوة .

و خلاصة الأمر عن هذا التأليف الذي لا يمكن الحكم على مضمونه كليا قبل الوقوف عليه و قراءته بتمعن أنه يعكس مستوى علميا عال عند مريم _ رحمه الله تعالى _ فمرحلة التأليف تعني إتقان أكثر من فنين غالبا ؛أولهما فن اللغة وعاء التأليف ؛ و ثانيهما الفن المؤَلَّف فيه .
و إلى جانب ذلك كانت مريم ذات شخصية قوية تناظر أكابر قومها في القضايا العلمية و تُناقشهم و تُبدى رأيها فيها ؛ و أحيانا يلجؤون إليها فيما ندَّ من ذاكرتهم كما حدثتنا بذلك بنت أخيها الوالدة مريم بنت محمدو ولد أحمد .
و هذا أيضا الدكتور الباحث  أحمدْ ولد حبيب الله ولد أحمدو ولد سيدي الفالي يقول إنه لا يزال يتذكر مناظراتها مع الشيخ الحارث (أخي) ولد الأمين ولد الحارث في بعض قضايا التصوف فيَنْثُر كل منهما ما أُوتي من علم و فهم فيستفيد من في المجلس .

و لا بأس هنا أن نورد شهادة حفيديها الذين عاشا معها أكثر من ثلاثين سنة .
فهذا حفيدها أحمدو ولد حبيب الله ولد محنض أحمد يقول : أنا  عشت معها و مع والدتها انماه و ما كان يخفى علي ما حباهما الله من فضله و عطائه من العلم و المعرفة لكنه لم يُبْهِرْني فما كنت أنظر إليهما إلا أنهما جدتيَّ اللتين أعرف منهما الدلال و الحنان و العطف و حسن التربية  لكن بعد أن ترحلتا _ رحمة الله عليهما _ و شاهدت أجيال ذا العصر حينها أدركت أنهما كانتا عظيمتين بحق و بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى فلو جاز لي أن أرفعهما فوق رتبة الأنبياء لقلت و لكن ... !! .
و هذا أيضا حفيدها عبد الرحمن ولد الهادي يقول أنها لو ولدت في مجتمع يُعَدُّ تعلم المرأة فيه غريبا لكان لها شأن فوق الذي لها ؛ و لكنها ولدت في بئة زاخرة آنذاك بالعلم و العلماء فهي قمر ولد بين شموس من أعمامه و جدوده و أبناء عمومته أني له أن يُرَى ؟ .
و لعلنا نضيف إلى ما قاله عبد الرحمن تفسيرا آخر هو أن المجتمعات التي يسيطر فيها الرجال تتوارى فيها مواهب النساء خلف هيمنة الرجال فلا يسمع لهن بذكر رغم ما يبذلنه من جهد في التعلم في ظروف صعبة .
نقول هذا قبل أن يكون تعليم المرأة هو الشغل الشاغل للكل، و قبل أن يكون بعض نساء اليوم يرتدين محفظاتهن إلى الجامعات و المعاهد غدوا و عشيا بحثا عن الدراسة و الوظيفة في حين كانت جداتهن يعكفن على قراءة الكتب و مطالعتها لا لشيء سوى حب المعرفة و العلم و هن في أحسن الأحوال يسكن الخيام و الأعرشة في الصحاري القاحلة و البوادئ النائية دون أن يُعيقهن ذلك عن القيام بواجبهن الاجتماعي من تربية الأبناء و رعاية شؤون البيت و الأسرة عموما ؛ فرحمات الله تترى على ذاك السلف الذي عاش عيشة الكفاف زاهدا قانعا بما أتاه الله .

و قبل أن نختم الحديث عن مريم لا بأس أن نورد هذه الأبيات التي قالها فيها محمد ولد أبنو ولد احميدن و التي يقول عنها الدكتور أحمد : و قد وجدناها (أي الأبيات) في مكتبة عبد الله ولد بكيا ابن المتغزل بها و قد سألنها إن كانت تتذكرها فالتزمت الصمت حياء . ( راجع الدكتور أحمد  ولد حبيب الله، تحقيق ديوان ولد أبن ج2 ص 763 و 764 ) .

و الأبيات هي :

إِنَّ الَّتِي هَامَ الْفُؤَادُ بِذِكْرِهَا _ قَدْ غَادَرَتْ بَيْنَ الْجَوَانِحِ أَسْهُمَا

خُودٌ يَكَادُ اللَّحْظُ يُدْمِي خَدَّهَا _ مَن لِّي بِخَدٍّ سَالَ مِنَ لَحْظٍ دَمَا ؟

هَيْفَاءُ مِجْوَالُ الوِشَاحِ خَرِيدَةٌ _ رَدَّتْ فُؤَادَكَ بَعْدَ حِلْمٍ مُغْرَمَا

بَخِلَتْ عَلَيْكَ بِلَثْمِهَا وَ حَدِيثِهَا _ مَا ذَا عَلَيْهَا لَوْ حَبَتْكَ تَكَلُّمَا

أَنَّي يُحَلَّأُ أَوْ يَؤُوبُ مُصَرَّدًا _ صَادٍ أَلَمَّ بِمَنْهَلٍ يَشْكُو الظَّمَا

لاَ مَرْيَمٌ أَرْجُو لَهَا وَصْلاً وَ لاَ _ قَلْبِيَّ يَسْلُو سَاعَةً عَنْ مَرْيَمَا

*وفاتها*

أصيبت مريم في آخر حياتها بمرض يشبه الشلل مضى عليها أكثر من سنة و هي صابرة محتسبة إلى أن توفيت في انواكشوط عام 1987 عن عمر ناهز التسعين؛ و نقلت منه إلى روصو و دفنت فيه . 

*مصادر الدراسة*

مقابلة شفهية مع حفيديها :
 1) الأستاذ أحمدو ولد حبيب الله ولد محنض أحمد في روصو 2017 .
2) الأستاذ عبد الرحمن ولد الهادي في روصو  بتاريخ 2017/02/28 .
3) مقابلة شفهية مع ابنت أخيها و سميتها الوالدة مريم بنت محمدو ولد أحمد ولد الحارث في قرية عين السلامة   .
4) مقابلة شفهية مع السيد إدوم ولد الداه في قرية عين السلامة .
5) الدكتور أحمد ولد حبيب الله تحقيق ديوان ولد أبن ج2 .
و كذلك أيضا استفدنا منه بعض المعلومات شفهيا في لقاء معه في انواكشوط عام 2017 .

بقلم الأستاذ سيدي عبد الله ولد الحارث

القسم: 

وكالة المنارة الإخبارية

على مدار الساعة