
ويجب على الباحثين عن الحقيقة -والحقيقة فقط- أن يتأدبوا بآداب طالب الحقيقة وأن يسألوا عما لايعلمون وأن يرجعوا ما ظهر لهم الحق.
وفي هذا السياق بإمكانهم نقد ما يرون من خلل مجتمعي أو في السلوك العام بأسلوب علمي رصين يتعالى على البذاءة والانحطاط في درك لغوي سحيق قد يفقد الفكرة البناءة ألقها وتألقها ويحيلها إلى كومة من الرماد يتحاشى الناس الاقتراب منها أو اكتناه أسرارها.
كما أن على هؤلاء الفتية االذين يستشيطون غيظا في هذا المجتمع أن يفرقوا في نقدهم وفي ردات فعلهم بين ما يرجع لفهم وعادات وطبيعة المجتمع، وبالتالي لا دخل ثمة للمقدس ،وبين الثوابت الإسلامية التي لايمكن تصور المرء مسلما في غياب اعتقادها أو تطبيقها..وهذه بطبيعة الحال ليست حكرا للمجتمع ولا سلطان له عليها إنما مردها إلى "الوحي" وهي غير قابلة للنقد أو السخرية ..بمعنى أنه يجب التفريق في النقد بين "الوحي" و"الممارسة" فالأول لايعتريه الخطأ أبدا وثمة ضوابط للتحرك والتعليق والتصريح،وثمة حدود وزواجر ،والثانية قابلة للنقاش قدر قربها أو ابتعادها عن الوحي.وهي مدار الإصلاح والتغيير.
- أن التطاول على الدين وعلى الرموز الدينية ليس وسيلة لتغيير ما ران على المجتمعات الإسلامية من حيف اكتشف هؤلاء أن الغرب تجاوزه وقطع فيه أشواطا قيمة جعلته في سلم المجتمعات حضاريا وعلميا .بينما لاتزال مجتمعاتنا أسيرة للعديد من الاختلالات العلمية والفكرية والثقافية..وليس تجاوز الغرب للدين ومتطلباته سببا في رقيه وتقدمه،وليس تعلق المجتمعات المسلمة بدينها وشرعها سببا لتأخرها وتعثر نهضتها .
- فالربط بين "الانحراف" الموجود في المجتمع فكرا ومنهجا أو سلوكا وممارسة وبين" الدين" أمر إمر وتعد لحدود الله لمن يؤمن بالله واليوم الآخر وتجن على العقل السليم والفكر السوي لمن يعظمه حد التقديس.
- وفي أرقى الديمقراطيات وفي أبهى ألق الحريات تظل " الرموز الدينية" أيا كانت الديانات " خطا قانونيا أحمر تجرم القوانين المدنية التعدي عليه أو إهانته أو تبخيسه.دون أن يكون ذلك طبقة من الإسمنت المسلح في وجه الحريات.
- وحينما يميز هؤلاء بين ما ينبغي تجاوزه ورميه عرض الحائط أو تصحيحه وترتيبه وفق معطيات جديدة باعتباره عائقا أمام التحول الحضاري وبين ثوابت هوية الأمة التي قد تعين لو تم استغلالها بشكل سليم على الوصول للحلم الذي يهيم بها هؤلاء.
حينها سيترجل الكثيرون منعم والمشبعون بالإخلاص لمبدإ الحقيقة وسيتوارى خلف "النكران" قلة يكون الحديث معهم مختلفا والحكم عليهم مختلفا .بعد أن حصحص الحق وزالت الشبهات.
- ومن هنا فإن نصاعة الإسلام وشرائعه وعظمة الإسلام ومبادئه تكاد تضيع بين موقفين حديين متطرفين يشطح أحدهما في ثورة غير مدروسة المفردات والحيثيات مهوسة بحرية مطلقة لامكان فيها للدين أو العقيدة أو الأخلاق تؤمن أن ثمة تحالفا أزليا بين الإبداع والتفكير والحرية والإلحاد...في حين يجدف آخرباندفاع عاطفي غير مؤسس على مستوى معرفي رصين ونهج علمي سليم صوب الغلو والتزمت شعاره الأول توزيع التكفير والتبديع على كل من خالف نهجه .وإشهار السيف في وجه كل من خالف رأيه ولو كان فهما غير مجمع عليه .وقد ألغى من قاموسه مفاهيم التوجيه والإرشاد والنصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة.
لذلك فالحل يكمن في خط وسط فيه ثورة الأول وتطلعه للحرية والتقدم الحضاري وفيه صدق عاطفة الثاني وحرصه على الدين والالتزام الأخلاقي .